الجمعة، يناير 27، 2012

جزيرة «هيسا».. الجمال النوبي


جزيرة هيسة

جزيرة «هيسا».. متعة العيش بين أحضان الجبال والنيل 
تحت مظلة شمس أسوان الدافئة، وفي حضن نهر النيل، وفي أجواء نادرة من الثراء الطبيعي، تتناثر على شمال وجنوب سد أسوان مجموعة من الجزر ذات الأحجار البازلتية على شكل أرخبيل رائع الجمال، يشعر من يشاهدها من الطائرة بأنها قطع من الزمرد تغطيها بساتين النخيل والنباتات الاستوائية.
جزيرة «هيسا» تعد أقدم هذه الجزر، وسميت بهذا الاسم نسبة إلى الملك «هيس» أحد أهم ملوك الأسرة السابعة، وبدأ العيش على هذه الجزيرة قبل بناء السد العالي، حتى أصبح يقطنها اليوم ثماني قبائل يعيش أهلها حياة تكاد تكون بدائية، ولكنها تعيد إلى أذهاننا عصور الفراعنة، من حيث روعة المكان، أما طبيعة السكان فهي تتميز بهدوء الحياة اليومية البسيطة يصاحبها تغريد العصافير وعزفها فوق الأشجار القليلة المتناثرة، أما بيوت جزيرة«هيسا» فذات ألوان ناصعة، وتتوزع على صخور الجبل الصغير في تناسق جميل، يحيطها جمال آسر ونقاء من الصعب أن تجده في مكان آخر، كما أن الجبال والنهر تحيطهما من جميع الجهات، مما جعل نسبة التلوث تقل ونقاء الهواء يزداد، وهو مناخ صحي خال من الأمراض خصوصا لمرضى الروماتيزم وأوجاع المفاصل، فالجزيرة دافئة شتاء حارة صيفا.
تقعجزيرة هيسا شرق مدينة أسوان وتتكون من ستة نجوع، كل نجع يحمل اسم إحدى القبائل النوبية الأساسية، كما يحكم الجزيرة قانون العرف والعيب.. هكذا يقول شيخ الجزيرة
أو كبيرها (كما يطلق عليه)، الحاج عوض مركب (65 عاما)، وعلى أرض «هيسا» تتناثر الكثير من الآثار والنقوش الفرعونية، خاصة على جانبي مدخل الجزيرة، فقد كانت الجزيرة بمثابة مدافن للكهنة والكاهنات الذين كانوا يعملون فيجزيرة هيسا وجزيرة «فيلة» القريبة جدا منها، حيث كانتا منجما طبيعيا لاستخراج الحجارة والأخشاب، التي كانت تنقل فيما بعد عبر النهر لبناء هرم سقارة.
ويضيف الحاج عوض مركب: «على الرغم من أن الجزيرة يسكنها ثماني قبائل، فإن عدد سكانها لا يزيد على أربعة آلاف نسمة، يعيشون علي مهنة الصيد وتأجير المراكب للأجانب والضيوف، بالإضافة إلى أعمال النجارة، التي تعتبر أهمها على الإطلاق، حيث صناعة الساقية والطنبور (من أدوات الزراعة)، بالإضافة إلى بعض قطع الأثاث الشهيرة بالنوبة، كالصندوق الخشبي المطرز الذي يتوارث أبا عن جد والعنقريب (السرير)، بالإضافة إلى المراكب التي تعد وسيلة المواصلات الوحيدة للخروج من الجزيرة أو الوصول إليها سواء الشراعية أو ذات المحركات».
يحكي الحاج عوض عن طبيعة الجزيرة، فيقول: «إلى اليوم يعيش أهلها على أدوات الحياة البدائية، سواء داخل المنزل أو خارجه، حيث يستخدمون في تخزين مياه الشرب (الزير) و(القلل)، والقليل لديه مبردات أو ثلاجات، كما لا توجد مخابز بالجزيرة حيث يعتمد أهلها على خبز (الدوكة) المصنوع من رقائق العجين الذي يسوى في فرن من (الصاج)». يضيف الحاج عوض: «بعض شباب القرية أنهى تعليمه الجامعي ولكن بصعوبة، فلا يوجد في الجزيرة سوى مدرسة ابتدائية واحدة، وباقي مدارس المراحل التعليمية توجد بأسوان، أما الفتيات، فقليلات هن اللاتي حصلن على تعليم فوق المرحلة الابتدائية، ولكنهن يشغلن أوقاتهن بأعمال المنزل وفلاحة الأرض، بالإضافة إلى صناعة السلال والحصر (البرش) من أوراق النخيل ويقمن بتلوينها بأشكال وزخارف من البيئة، كما يصنعن أطباق الخوص بأشكال وأحجام مختلفة ويبيعونها في سوق أسوان، ويدخرن بعضا من عائدها لتجهيز بيت الزوجية، أيضا هناك صناعة الطواقي (أغطية الرأس) الملونة والحبال التي تصنع من ألياف النخيل.
وتتمتع بيوت الجزيرة بذوق عال، فهي مزينة من الخارج والداخل برسوم ذات ألوان زاهية، ومطعمة بأحجار من الجبل لإضفاء البهجة، كما تجمع في عمارتها النماذج الفرعونية والقبطية والإسلامية. وأيضا تشتهر الجزيرة بصناعة الفخار من طمي النيل، وصناعة الإكسسوارات النوبية التي تتحلى بها النساء من الخرز الملون وتطعيمها ببعض رسومات البيئة المحيطة بهن من نباتات وحيوانات وطيور، ورموز شعبية مثل الكف والعقرب. كما تنتشر بالجزيرة  زراعة البامية والبازلاء واللوبيا والفول السوداني والنخيل.
ويقول الحاج عوض إنه على الرغم من صعوبة الحياة في كثير من الأحيان على سكان الجزيرة ، فإن هناك طقوسا حياتية وعادات لا يمكن التخلي عنها تحت أي ظرف، أشهرها «ليلة الحناء»، التي تسبق يوم الزفاف، والتي يتجلى فيها فنون الرسم بالحناء، التي يشتهر بها أهل النوبة، ويجتمع أهل الجزيرة والأقارب في الحي، ويقوم أهل العروسين بذبح عجل ليقدم للضيوف، بالإضافة إلى إعداد أشهر المأكولات النوبية وسط الغناء النوبي والرقصات التي يشتهر بها أهل الجزيرة، وأيضا هناك الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، فهو من أهم المناسبات التي يحرص أهل الجزيرة على إحيائها كل عام، وذلك بإقامة حلقات الذكر والاستماع إلى الابتهالات والمديح الصوفي.
ويلفت الحاج عوض إلى أن سكان الجزيرة أهملوا اللغة الهيروغليفية التي كانت سائدة على الجزيرة قديما، وأصبح الدارج لديهم اللغة المحلية التي تدعى لغة «المروى»، نسبة إلى مملكة مروى، وهي لغة مزدوجة من عدة قبائل نوبية تحتوى على 61 حرفا يسهل التعبير بها فيما بين أهل الجزيرة وباقي القبائل الأخرى، مؤكدا أن والده أخبره أن الجزيرة قائمة على مقابر فرعونية، وهو ما يؤكد عليه عمرو العزبي، رئيس هيئة تنشط السياحة المصرية، قائلا: «جزر أسوان كنز لا يستهان به من حيث المورث الثقافي والتاريخي والسياحي، فكان لا بد من التعرف عن كثب على ثقافة القبائل النوبية، لهذا قررنا نقل فعليات مهرجان شخصيات مصرية العالمي من البحر الأحمر ليقام على أرض جزيرة«هيسا»، لكي يتعرف العالم على هذه الدرة المدفونة، وقد رحب أهل الجزيرة بالاستضافة، وفتحوا بيوتهم لاستقبال الزوار، ومن هنا نشأت سياحة المبيت في هذه الجزيرة ذات الطبيعة البكر، وسيستمتع زواها جدا عندما يعيشون فهي بين أحضان الجبال والتراث الفرعوني.