الأحد، أكتوبر 16، 2011

رجل الفكاهة النوبي سيد ابراهيم تلول رحمه الله - صاي النوبية بالسودان





عباس حسن محمد علي طه – الإعلام الخارجي لجزيرة صاي
في ذكرى رحيل الهرم النوبي الراحل المقيم سيد إبراهيم تُلُول الذي لقبه النوبيون بحكيم النوبة، نستعرض عن سرهذا الإنسان الظريف
وخفيف الظل الذي دخل في قلوب النوبيين وفي وجدانهم وظل حتى يومنا هذا اليوم ، ولدعام 1917م بقرية موركة بجزيرة صاي
بمنطقة السكوت الشمالية وإشتهر سيد تُلُوُلّ بذكائه الحاد وحضور البديهة وظُرف الحديث العذب ،أضحك النوبيين كبارهم،صغارهم،رجالاً
ونساء وأصبح جزءاً من حياتهم اليومية لترويح النفوس المثقلة بهموم المعيشة، كان يسافر من قريته مع أي لوري إلى أي جهة بدون
ميعاد كالطيور المهاجرة وبدون أجرة ولا تكاليف سفر، بل كان المسافرون يتمنون أن يصحبهم في سفرياته الشاقة إلى حلفا أو أمدرمان
التي كانت تستغرق عدة أيام وكان تُلُوُلّ يخفف عنهم وعثاء السفر بطرائفه المعهودة، وما كان يؤلف نكتة أو يتكلف بها لِيُضحّك الناس
إنما كان حديثه مفرحاً في شكل نكات ساخرة ومقبولة لدى الجميع، عُرِف سيد تُلُوُلّ بأنه لم يغضب أحداً حتى وفاته، مرة قررت السفرمعه
من عبري إلى أمدرمان ، صدقوني ظللنا نضحك فرحاً ونفرح ضحكاً حتى وصلنا أمدرمان وفي قرية ما لاحظ سيد تُلُوُلّ تجمع أهلها حول
إمرأة عجوز وقال بعضهم :سنقتلها وبعضم :سنرميها في البحر والآخرون: سنسجنها وحين سألهم سيد تُلُوُلّ عن السبب،قالوا أنها تعض
أطفالنا وتزعجهم ورد سيد تُلُوُلّ: أخلعوا سنونها وأتركوها! وحين عاد إليهم سألهم ماذا فعلت بعد خلع سنونها ؟ قالوا أنها تعض الأطفال
ولكن تُضحكهم! وحين وصل الكلاكلة نزل عند قريبه، وقال له قريبه:يا سيد تُلُوُلّ أنت مُغبّر وجهك وَسّخان أدخل الحمام وإستحمى
وأعطاه صابون غسيل، هذه العبارة أزعجته مع صابون الغسيل، وبدأ يحضر له بذكاء نكته لازعة، ودخل الحمام وجلس ساعتين، وسأله
قريبه عن تأخيره ورد عليه تُلُول: منتظر زهرة غسيل لأنها تلازم صابون الغسيل! ودخل عيادة ليخلع سنه وسأل الطبيب:بكم تخلع؟رد
الطبيب: بجنيه في ذلك الوقت، وكان مع تُلُوُلّ خمسين قرش وقال للطبيب : هزو لي شوية بخمسين قرش وسوف أكمل باقي الخلع في
البيت ، كان بنكاته يعالج نفسه بلاشاً ويسافر بلاشاً ويدخل أي مطعم ويأكل بلاشاً لأنه كان يدخل السروروالترويح في نفوسهم أكثر من
المال وحين عاد من سفره إلى أهله سألوه: كيف وجدت أهلنا في الكلاكلات يا سيد تُلُول ؟ رد بسرعة بختهم هم في البلد بس كل يوم
بيمشوا الخرطوم. ولا أستطيع في هذه العجالة أن أتحدث عن نكاته وان ترجمتها إلى العربية تفقد معناها. حين رحل سيد تُلُوُلّ بعد عمر
مديد ينثر الحكمة ويزرع البسمة في الشفاه لعقود من الزمان، وفجعت النوبة برحيل رمز من رموزها الخالدة خلف وارءه شعبية غير
مسبوقة من حلفا إلى دنقلا وتركهم في حالة من اليُتم الإجتماعي والترفيهي وفي نظر الكثيرين أنه ما زال حياً وسطهم يداولون نكاته
وحكمه فيما بينهم.أما عن سبب تداخله الإجتماعي فهو ينتمي إلى آل تُلُوُلّ من فقير يعقوب مدني حفيد فقير عيسي وإخوانه الذين
هاجروا من المدينة المنورة وسكنوا في حلفا والسكوت المحس ودنقلا وإنتشروا في معظم مناطق النوبة وإخوانه أيضاً في نوبة المصرية
وسيد تُلُوُلّ عُرِف سِرهذه العلاقة ونَشَرَها في رحلاته وحين عمل مع فرقة مكافحة الحشرات ( الجمكسين) ساعده في دخول كل بيت نوبي
وكان يوقع في جدرانه توقيعه المميز( تُلُوُلّ بِصَايّ) والتحية لإبنه/ محمد سيد تلول وهو معلم وإمام مسجد قرية موركة بصاي، ولا أستطيع
في هذه العُجالة أن أعطيه ما يستحقه هذا العملاق النوبي وإنني متأكد بأن كل من يقرأ اليوم عن سيرته العطرة من معارفه سيبتسم فرحاً
ولكن سيحزن كثيراً برحيله حين يشعر بأن مطر الحزن عاود يَهَطُل وأبقوا معنا في دائماً لنتذكر ذلك الزمن الجميل.
عباس حسن محمد علي طه – الرياض المملكة العربية السعودية- جوال(0544676864)

الأديب الراحل أدريس علي- من سلسلة مقالاتي( شخصيات نوبية أثروا حياتنا)




استطاع الأدب النوبى بشكل وقالب ومزاج اتسم بالخصوصية أن يضيف للثقافة العربية رافدا جديدا فى نهر المعرفة والفن لارتباطه الشديد بالواقع الاجتماعى


لأهل النوبة وتعبيره عن حياتهم التى امتزجت بالمتعة والألم، تلك المتعة المتمثلة فى إستعادة الماضى، وذلك الألم الذى تمثل فى عملية الانتقال التى مر بها
أهل النوبة عند بناء خزان اسوان فى عام 1901 والهجرة الأولى والثانية فى عامى 1912 و1933 التى عاشها الأجداد ثم عملية التهجير الاخيرة عام 1964. وكان التهجير هو المرتكز الذى قام عليه الأدب النوبى بشكل عام حيث عاصره الأدباء صغارا فأصبحت النوبة القديمة هى الحلم والحنين وهى القيمة الوجدانية. وتقديرا واعترافا بفضل وإسهام الأدب النوبى كأحد روافد الثقافة المصرية التى أثرت بدورها الثقافة العربية، نظم المجلس الأعلى للثقافة ندوة بقاعة المجلس حول الأدب النوبى وأثره على المشهد الثقافى المصري، بالتعاون مع جمعية قورتة الخيرية النوبية، شارك فيها نخبة من الأدباء والنقاد وبحضور الدكتور عماد أبوغازى وزير الثقافة ود. شاكر عبدالحميد رئيس المجلس الأعلى للثقافة أكدوا خلالها أن الأدب النوبى أدب ثرى وخصب، وأنه لم يجد الاهتمام من النقاد بكل ما يحمله من ثقافة فرح واحتفاء بالانسان والحياة.حضر الندوة عدد من الأدباء والمثقفين وسيد محروس رئيس مجلس إدارة جمعية قورتة وأعضاء المجلس عبدالحميد هلالى ورضا حسن سعيد واحمد حسن أبوشافى.وقال الناقد أحمد ابوالعلا إنه يفضل الا يكون الحديث عن الرواية النوبية أو القصة النوبية لأن هذه المسميات تجعلنا نقع فى التباسات غير موضوعية، فالعروق النوبية متأصلة فى الثقافة المصرية.ورفض أبوالعلا مسميات أدباء النوبة أو أدباء الجنوب أو أدباء الصعيد أو أدباء الأقاليم فلا يجوز تصنيف الأدب فهو على العموم أدب مصرى خالص.وقال لماذا نتعامل مع هذا الحنين الذى يتمتع به الأدب النوبى لصنع مشكلات مفتعلة من خلال مواجهات سياسية بعيدا عن الإبداع وأكد ابوالعلا أن الأدب النوبى هو حركة تواصل وليس دعوة للإنفصال فالثقافة لا تمحو الخصوصيات.وقال الأديب النوبى محيى الدين صالح، الذى أدار الندوة، إن الأدب النوبى فى العصر الحديث بدأ منذ 300 سنة من خلال القاصة الروائية زينب كودوت من قرية الجنينة والشباك. وأضاف إن قصة الشمندورة لـ محمد خليل قاسم ظهرت طبعتها الأولى عام 1968، وقبلها فى عام 1930 ظهر أول ديوان لأديب نوبى هو الشاعر خليل فرج بعنوان «عزة فى هواك» وبعدها صدر ديوان ظلال النخيل للشاعر عبدالرحيم إدريس، ثم فى عام 1966 ظهر ديوان سرب البلاشون لخمسة من الشعراء أخذ عنوانه من قصيدة للشاعر عبدالدايم طه تتناول هجرة النوبيين وقدمتها الإذاعة فى «من وحى الجنوب». وأوضح الأديب النوبى حسن نور مؤلف رواية (بين النهر والجبل) وأنا الموقع أدناه ودوامات الشمال وغيرها من الروايات أن الأدب النوبى لم يظهر ويعرفه الناس إلا بعد نشر رواية الشمندورة التى كتبها محمد خليل قاسم وذلك على ورق بفرة فى السجن وطبعت عام 1968 فى 563 صفحة، وبعدها ظل الأدب النوبى ساكنا راكدا 20 سنة فى بيات شتوي، حتى ظهرت مجموعة قصصية للأديب حجاج أدول بعنوان «ليالى المسك العتيقة» وفاز عنها بجائزة الدولة التشجيعية فى عام 1988 ثم رواية إدريس على «دنقلة» وحصل بها على جائزة مالية وبعده يحيى مختار وحدثت بهؤلاء طفرة فى القصة والرواية النوبية. وقال محمد سليمان جندكاب رئيس جمعية التراث النوبى أن النوبى أينما ذهب يحمل اللغة النوبية والنوبة القديمة بداخله، مشيرا إلى ان اللغة النوبية كانت تكتب أيام الممالك المسيحية وبعد أن حرمت الكتابة بها إستمرت شفاهة منذ ذلك الوقت، موضحا إنه تمت الآن تجربة ترجمة العربية الى النوبية حيث تم اختيار فصول من رواية (دنجلة) لإدريس على ودوامات الشمال لحسن نور وترجمتها الى اللغة النوبية وذلك من خلال جهود العديد من المهتمين بالتراث النوبى ومن بينهم الدكتور خليل كبارة الاستاذ بكلية الآثار جامعة القاهرة الذى كتب عن اللغة النوبية. وقال الدكتور حامد أبوأحمد الاستاذ بكلية اللغات والترجمة أن أدب النوبة فى الأدب العربى المعاصر كان أدبا فريد لإرتباطه الشديد بواقع أهل النوبة وتعبيره عن مشاكل البسطاء، فهو يعبر عن السد العالى الذى يعد ملحمة للوطن ضحى من أجلها أهل النوبة بأرضهم وديارهم من أجل مصر، وعن كيف تم التهجير، مشيرا إلى أن أدب النوبة حقيقة غرس نفسه فى التربة المصرية. وأضاف أن هناك خصائص ميزت هذا الأدب منها دلالته على إرتباط أهل النوبة بوادى النيل، مؤكدا أن أدباء النوبة لديهم من القدرة ما يجعل أدبهم عالميا وهو يمثل جزءا لا يتجزأ من الأدب العربى المعاصر، لأن أدباء النوبة مثلما عبروا فيه عن الجنوب عبروا أيضا عن الشمال. ابو احمد الامبركابي